حتى خطيّ تغير ، بات أكثر انزلاقه ، تحوّل إلى خط سئ. لم أتوقع يوماً أن أنحدر هكذا إلى
القاع بشكل مفاجئ مخيف، لم أتوقع يوماً أن أجرؤ على كشف ملامح دهشتي و كآبتي أمام
الآخرين، لم أتوقع يوماً أن أجرؤ على الصراخ بهم " أنتم لا تشعرون "! ، شعور مُذهل بقدر
الأسف الذي يحمله. شعور غير جميل إطلاقاً. حين تعتقد بأنك شئ ما لتفيق على شئ مختلف
تلك صدمة هائلة لن يفهمها أحد سواك.
اعتقدت بأني ثابتة راسخة لا يهزني شئ ، و اكتشفت العكس .
اعتقدت بأني عميقة جداً حتى الاختفاء ، و اكتشفت العكس.
اعتقدت بأني حشرة ، نبات أي شئ آخر غير الإنسان ، واكتشفت العكس.

حتى الكتابة باتت فعل سئ حين لا أمنحها حقها في الجمال، عجزت حتى عن وصف ما تعانيه
روحي، مايدور في خلدي . إما أرسم نقاطاً أو أكرر الكلمات . أبدأ أكتب كلمة " وجع " آلاف
المرات حتى أشوهها و أفقدها قيمتها ، و أكتب " اختناق " بعد كل نقطة في الجملة حتى يخف
لونها . لم أعد قادرة على القيام بأي شئ غير التفكير، ثقيلة الحضور بدوت ، لا دور لي ،
لا شئ مُبهج ، لا شئ يغير مناخي، ركود أصابني ، ليس باستطاعتي حل أي شئ ، أعجز عن
القيادة ، التبسّم ، مشاهدة التلفاز ، القراءة ، الحديث ، الكتابة .. الكتابة .. نبضي و وريدي ،
لم أعد قادرة على ممارستها ، لم أعد أملك سوى صبغ أسود ألطخ به ورقتي البيضاء و
أشوهها ، أسمعها تبكي . تنتحب . تناجيني " حرام عليك .. كتمتي على أنفاسي ، صدري ..
أضلعي " ، و أنا بدوري أبحث عن هواء .. عن مطر .. عن أرض تلمّني كحضن كبير جداً
أتقلّب به كما أشاء . أرتاح به ، أسقط به آخر آهاتي.


حزني هذا أرفض أن يتدخل به أحد ، لا أحد مثلي سيشعر بما أشعر مما تأمل ملامحي ،مهما
اقتنع بابتسامتي ، فلماذا أعكّر صفو أيامه بأمر لن يحس به ؟!
هروبي ضعف ، مللت المناقشة و أنا أعترف بأني ضعفت بشدة أمامهم وأمام القدر، ليخاطبوني
بأي لهجة يرغبون ، ليقولوا مرة " ولِك يا هبله شو مابتفهمي ؟ " ، و ليكرروا " يالثوله !"
و ليعيدوا أمور عدة . لن أدافع ، لن أشرح من جديد ، لن يخترقوا قلاعي ، وليتركوني في
الحديقة أتقلب على أوجاعي . متكومة هكذا . تغسل ظلمتي أشعة الشمس .
فلن يفهموا ، مهما شرحت و فسّرت لن يفهموا ، لن يشعروا بشئ ، هذا زمن أقزام الفلاسفة،
كل شخص فيه يصنع من نفسه فيلسوفاً أحمق و بحجمه الصغير ينفخ صدره ليراه من في
السحابة الأخيرة، كيف لهذا أن يثقب انتفاخه ليعترف بأنه ينصت لي ؟ أنه يفهمني ؟ أنه أخطأ؟
لا يمكن. فهذا زمنه هو ، زمن الرهبان السكارى و الحكماء المهابيل ، زمن الأصدقاء النذلين ،
زمن العدو الجميل .. زمن التناقضات هذا ، فكيف لي أن أحتمل ما تراه عيني و يفهمه قلبي ؟
كيف و عقلي عجز عن التقلب ليفهم ..!
رأسي حلف أن يعلن احتجاجه ، ليرميني بصاعقة تخترق رأسي منذ ثلاثة أيام حتى هذه اللحظة.

Make a Free Website with Yola.